دوالي الخصية وتأخر الحمل عند الزوجة: العلاقة، التأثيرات، وطرق العلاج
تُعد الخصيتان مركز إنتاج الحيوانات المنوية والهرمونات الذكرية في جسم الرجل، وأي اضطراب في وظيفتهما قد ينعكس مباشرة على الخصوبة. من بين المشكلات الشائعة التي تصيب الرجال وتؤثر سلباً على فرص الإنجاب، تأتي “دوالي الخصية” كواحدة من أكثر الأسباب انتشاراً لضعف الخصوبة وتأخر الحمل. لا يقتصر تأثير هذه المشكلة الصحية على الرجل فقط، بل تمتد تداعياتها إلى العلاقة الزوجية والخصوبة لدى الزوجة أيضاً، إذ قد تسبب تأخراً في حدوث الحمل بشكل غير مباشر.
يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة علمية شاملة حول دوالي الخصية، أسبابها، أعراضها، علاقتها بتأخر الإنجاب، والطرق المتوفرة لعلاجها، مع التركيز على كيف يمكن لهذه الحالة أن تؤثر على فرص الحمل لدى الزوجة، ضمن منظومة خصوبة معقّدة تعتمد على صحة كلا الشريكين.
أولاً: ما هي دوالي الخصية؟
دوالي الخصية (Varicocele) هي توسع غير طبيعي في الأوردة الموجودة داخل كيس الصفن (الذي يحمل الخصيتين)، وتشبه في طبيعتها دوالي الساقين من حيث آلية حدوثها. هذه الأوردة تُعرف باسم “الضفيرة المحلاقية”، وتقوم بدور مهم في تصريف الدم من الخصية، ولكن عندما يحدث خلل في الصمامات الوريدية التي تنظم تدفق الدم، يتجمع الدم في هذه الأوردة، مما يؤدي إلى توسعها واحتقانها.
ثانياً: أسباب الإصابة بدوالي الخصية
رغم أن السبب الدقيق لدوالي الخصية غير معروف على وجه اليقين، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تسهم في ظهورها، وأبرزها:
-
ضعف في الصمامات الوريدية التي تمنع عودة الدم إلى الوراء.
-
الضغط المتزايد في الأوردة بسبب الوقوف لفترات طويلة أو المجهود البدني الشديد.
-
عوامل وراثية قد تزيد من فرص الإصابة.
-
الاختلاف التشريحي بين الوريد الأيسر والأيمن، حيث أن دوالي الخصية تصيب الجانب الأيسر بنسبة تزيد على 90% من الحالات بسبب طبيعة التصريف الوريدي في هذا الجانب.
ثالثاً: الأعراض والمضاعفات
غالباً ما تكون دوالي الخصية غير مصحوبة بأعراض واضحة، ويتم اكتشافها بالصدفة أثناء الفحوصات المتعلقة بتأخر الإنجاب. ومع ذلك، يمكن أن تظهر بعض العلامات لدى بعض المرضى، مثل:
-
ألم في الخصية يزداد مع الوقوف أو المجهود البدني.
-
شعور بثقل في كيس الصفن.
-
ملاحظة تضخم أو التواء في الأوردة تحت الجلد.
-
ضمور الخصية المصابة، أو انخفاض في حجمها.
-
اضطرابات في القذف، أو ضعف الرغبة الجنسية.
وإذا تُركت دوالي الخصية دون علاج، فقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل ضعف إنتاج الحيوانات المنوية، تراجع جودة السائل المنوي، أو حتى العقم الدائم.
رابعاً: العلاقة بين دوالي الخصية وتأخر الحمل
إن الخصوبة تعتمد على عدة عوامل مترابطة، من أهمها سلامة الجهاز التناسلي لدى الرجل والمرأة. في حالة الرجل، تلعب الخصيتان دوراً رئيسياً في إنتاج الحيوانات المنوية. وعند وجود دوالي الخصية، يمكن أن تتأثر هذه العملية بشكل ملحوظ بسبب:
1. ارتفاع حرارة الخصيتين
دوالي الخصية تُسبب تراكم الدم في الأوردة المتوسعة، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الخصية، وهذا الأمر يعرقل البيئة المثالية المطلوبة لإنتاج حيوانات منوية صحية، إذ أن إنتاج الحيوانات المنوية يتطلب حرارة أقل من حرارة الجسم الطبيعي.
2. زيادة الجذور الحرة في السائل المنوي
تشير الدراسات إلى أن دوالي الخصية تزيد من مستويات “الإجهاد التأكسدي”، أي وجود كمية كبيرة من الجذور الحرة التي تؤدي إلى تلف أغشية خلايا الحيوانات المنوية، وضعف حركتها، وتشوهها، وبالتالي تقليل قدرتها على تخصيب البويضة.
3. انخفاض عدد الحيوانات المنوية وجودتها
دوالي الخصية قد تسبب انخفاضاً في عدد الحيوانات المنوية المنتجة، وضعفاً في قدرتها على الحركة أو تشوهات في بنيتها، مما يصعب عملية وصولها إلى البويضة لتلقيحها.
4. اختلال الهرمونات الذكرية
تؤثر دوالي الخصية على خلايا “لايديغ” المنتجة لهرمون التستوستيرون، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى هذا الهرمون الضروري للصحة الجنسية والخصوبة، وهذا بدوره قد يقلل من الرغبة الجنسية وجودة السائل المنوي.
خامساً: كيف تؤثر دوالي الخصية على فرص الحمل لدى الزوجة؟
رغم أن دوالي الخصية تصيب الرجل، إلا أن انعكاساتها تتجاوز ذلك لتصل إلى قدرة المرأة على الحمل لأسباب غير متعلقة بجهازها التناسلي. إذ تشير الأبحاث إلى أن:
-
أكثر من 40% من الرجال المصابين بالعقم الأولي (الذين لم يُنجبوا من قبل) يعانون من دوالي الخصية.
-
في حالات العقم الثانوي، حيث سبق للزوجة الحمل ثم تأخر الحمل لاحقاً، تظهر دوالي الخصية كعامل خطر مهم.
-
هناك علاقة طردية بين شدة دوالي الخصية وانخفاض معدل الإخصاب لدى الشريكة، أي كلما زادت حدة دوالي الخصية، قلت فرص حدوث الحمل.
وبالتالي، فإن تشخيص وعلاج هذه الحالة لدى الزوج يُعد خطوة حاسمة لتحسين فرص الإنجاب لدى الزوجة.
سادساً: تشخيص دوالي الخصية
تعتمد آلية التشخيص على مجموعة من الفحوصات السريرية والتصويرية، وأهمها:
-
الفحص السريري: حيث يتحسس الطبيب وجود كتلة لينة فوق الخصية أثناء الوقوف.
-
مناورة فالسالفا: تُستخدم لزيادة ضغط البطن ما يُظهر بروز الدوالي.
-
التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار): وهي الوسيلة الأدق لتحديد حجم واتساع الأوردة ووجود ارتجاع دموي.
-
تحليل السائل المنوي: لتقييم عدد الحيوانات المنوية وحركتها وشكلها.
-
تحليل الهرمونات الذكرية: للتأكد من سلامة إنتاج التستوستيرون.
سابعاً: درجات دوالي الخصية
تصنّف دوالي الخصية إلى ثلاث درجات حسب شدّتها:
| الدرجة | الوصف السريري | مدى التأثير على الخصوبة |
|---|---|---|
| الأولى | غير مرئية، تُكتشف بالفحص | غالباً لا تؤثر كثيراً |
| الثانية | تُحس عند الوقوف ولكن لا تُرى | قد تؤثر بدرجات متفاوتة |
| الثالثة | مرئية وظاهرة بالعين | تؤثر بشكل كبير على الخصوبة |
ثامناً: العلاج المتاح لدوالي الخصية
1. المتابعة والمراقبة
في الحالات الخفيفة التي لا تظهر فيها تأثيرات واضحة على تحليل السائل المنوي، قد لا يُنصح بالتدخل الجراحي ويكتفى بالمراقبة المنتظمة.
2. الجراحة التقليدية أو الميكروسكوبية
وهي الطريقة الأكثر شيوعاً، حيث يتم ربط الأوردة المتوسعة لوقف تدفق الدم غير الطبيعي. تُجرى تحت المجهر الجراحي لتقليل الأضرار المحيطة وتحسين النتائج.
3. الانصمام الوريدي (Embolization)
إجراء غير جراحي يتم عبر إدخال قسطرة من خلال الوريد لحقن مادة تعمل على إغلاق الوريد المتوسع، ويُعد خياراً بديلاً في بعض الحالات.
4. الأدوية والمكملات
في بعض الحالات، قد يُنصح باستخدام مضادات الأكسدة مثل فيتامين C و E، أو مكملات الزنك وحمض الفوليك لتحسين نوعية الحيوانات المنوية، لكن هذا لا يغني عن الجراحة في الدرجات المتقدمة.
تاسعاً: النتائج المتوقعة بعد علاج دوالي الخصية
تشير الدراسات إلى أن:
-
60% إلى 80% من الرجال الذين يخضعون للعلاج الجراحي لدوالي الخصية، يُظهرون تحسناً في عدد وجودة الحيوانات المنوية خلال 3 إلى 6 أشهر.
-
نسبة حدوث الحمل التلقائي لدى الشريكة قد تصل إلى 40% بعد العلاج، وفقاً لعوامل أخرى مثل عمر الزوجة وصحة الجهاز التناسلي لديها.
من المهم فهم أن العلاج ليس مضموناً بنسبة 100%، ولكنه يُعد من التدخلات الناجحة في حالات العقم المرتبطة بدوالي الخصية.
عاشراً: أهمية التشخيص المبكر والتعامل المتكامل مع تأخر الحمل
تأخر الحمل ليس مشكلة فردية، بل نتيجة لتداخلات معقدة بين العوامل الذكرية والأنثوية. لذلك يُنصح بأن يبدأ الزوجان معاً الفحوصات المتعلقة بالخصوبة في حال تأخر الحمل لأكثر من سنة من العلاقة المنتظمة دون استخدام وسائل منع الحمل.
وفي حالة وجود دوالي الخصية لدى الزوج، يجب عدم تأجيل تقييم الحالة أو الاستخفاف بها، لأن إهمالها قد يؤدي إلى تدهور دائم في جودة الحيوانات المنوية وصعوبة الإنجاب لاحقاً حتى مع تقنيات التلقيح الصناعي.
المراجع العلمية:
-
Practice Committee of the American Society for Reproductive Medicine. Report on varicocele and infertility. Fertil Steril. 2014.
-
World Health Organization. WHO manual for the standardized investigation and diagnosis of the infertile male. Geneva, Switzerland; 2000.
